خرافة التقدم والتخلف
فكرة التقدم والتخلف ليست موغلة في القدم، ولا هي بديهية، والتقدم والتخلف لا يقاسان بالنمو الاقتصادي وحده. ومن السخف اعتبار بعض الأمم أكثر تقدما في مضمار «التنمية الإنسانية» من غيرها، واتهام العرب بأنهم «متخلفون» في هذا المضمار اتهام مرفوض. وليس من السهل اعتبار بعض الأمم أكثر تمتعا «بالحرية» من غيرها. والديمقراطية ليست، كما يشاع، في عصر ازدهار، ولا حتي في الدول المسماة «بالديمقراطية»، وما يعتبر من «حقوق الإنسان» يختلف من ثقافة إلي أخري.
ماذا حدث للمصريين؟
مر المجتمع المصري خلال نصف القرن الماضي بتغيرات عميقة، قلبت أشياء كثيرة رأسا على عقب، وربما جاز اعتبارها - في قوتها ومداها- غير مسبوقة في التاريخ المصري الحديث على الأقل. في هذه الفترة أيضا شهدت مصر معدلا غير مسبوق بدوره في تاريخها الحديث، للحراك الاجتماعي؛ أي تغير التكوين الطبقي للمجتمع، وصعود شرائح اجتماعية كانت في أسفل السلم الاجتماعي وهبوط شرائح كانت في أعلى السلم. ويهدف هذا الكتاب إلى بيان أمرين:
الأول: وصف هذه التغيرات العنيفة التي طرأت على جوانب عديدة من الحياة الاجتماعية في مصر: من التغير الذي طرأ على مركز المرأة، إلى اللغة والموسيقى والغناء والسينما، إلى التعصب الديني والتغريب، إلى طريقة المصريين في الاحتفال بالزواج أو التصييف، إلى موقف المصري من الهجرة ومن الوظيفة الحكومية ومن السيارة الخاصة، إلى التطور الذي لحق الفكر الاقتصادي في مصر، إلى خضوع مصر أكثر فأكثر إلى مقتضیات حضارة السوق.. إلخ.
والثاني: الربط بين كثير من هذه التغيرات وبين ظاهرة الحراك الاجتماعي السريع، حيث يذهب المؤلف إلى أن هذه الظاهرة قد تفسر أكثر بل وأهم هذه التغيرات التي طرأت على المجتمع المصري.
يفعل المؤلف هذا بأسلوب سلس ومركز، ويمزج في وصفه بين ما اكتسبه من دراسته الأكاديمية للاقتصاد والمجتمع، وبين خبرته الخاصة وتطور حياته الشخصية والعائلية، على نحو يرشح هذا الكتاب لأن يحتل مكانة متميزة بين الكتب التي تتناول التاريخ الاجتماعي المصري.