انا قبل كل شئ

الرواية تقدم لنا تاريخ حياة إنسان عبر تلمس صادق وأمين لمكان يجمع المسلمون بل والعرب على تقديسه والنظر إليه كحرم مقدس، هو المدينة المنورة. النغمة المائزة في هذه الرواية صدقها وتمكنها من التوغل في مسارب النفس البشرية المعقدة، فتقدمها لنا بدون تزييف أو تجميل أو محاولة إخفاء ما تتعرض له تلك الشخصية من ملابسات ومنحنيات وعثرات، تلوح من بعيد كنقائص بشرية لا يمكن تخيل الحياة بدونها؛ فهي لصيقة تلك النفس الأمارة بالسوء. واللافت للإنتباه في الرواية هي نبرة الحكي التي تتصاعد رويداً رويدا، حتى تتورط في تفصيلاتها الشيقة فإذا أنت داخل دائرة القنص السردي محملاً بالدهشة وببراءة الأيام العتيقة الفواحة بعطر الأحباب أينما ولّوا وجوههم.

تذكرت كلماتها عندما قالت : كان وجهه صافيا منيرا ممتلئا كأن لم يكن يعاني المرض ، (استعادتي لكلام والدتي - عن والدها - أيقظني لشيء) ، ارتجف بدني ،خفق قلبي بنبضات تهز أضلاعي ، رجف فؤادي ، شهقت شهقة أعقبتها بصرخة حارقة ، تذكرت صفاء وجه صغيري، صرخت اخرى : ولدي : قفزت وكأن مخالب تطير بي إلى صغيري ، ادخلت يدي بسرعة تحت كتفيه حملته ، نفضته بقوة ، صرخت بكل صوتي . لم يستيقظ ، هززته اكثر . استيقظ الكل مرعوبا ولم يستيقظ الصغير ، كان صراخي عميقا مرتجفا ،تحول إلى بحة وازيز ، من دون كثير جهد أو تمعن ،ادركت أنه مات ، فارق الحياة.

الحياة قصيرة ، لا نعلم متى تكون القُبلة الأخيرة ، العناق الأخير ، واللمسة الأخيرة ، الاستيقاظ الأخير .. متى ستقول : " صباح الخير" للمرة الأخيرة ، لا تعلم متى ستصلي آخر صلاة ، ستقرأ آخر آية ، وتقول آخر دعاء.. متى ستتناول آخر وجبة ، وتتابع آخر حلقة من برنامج ما .. متى ستكون المرة الأخيرة التي تشاهد وجهك في المرآة ! الشجار الأخير ، والعفو الأخير ، والمرة الأخيرة التي تقول فيها : " أحبّك " للشخص الذي قصدته بقلبك طوال حياتك ، أما بالنسبة لوداع العُشاق فهو يحمل موتين .. أحدهما يجرّ صاحبه تحت الأرض ، أما الآخر فيزرعه فوقها بذبول موحش ومخيف .

رواية تتحدث عن الحب والغياب والحزن والوحدة , وفي ذلك عن الصبر , ووصف مشاعر أبطال الرواية , ونثر احزانهما , وصور حياتية تمنح الحياة وكأنما الحياة رخوة والسماء كومة سنابل , أهديه إلى كل الذين يشعرون بفرط الانتظار وخيبة الوحدة وصعوبة مجابهة الحب والإيمان به , هذا الكتاب فرصة للذين اعتقنوا الصمت ,وكل الذين يعتقدون ان الفراق هو النهاية وأن الحب ليس دومًا كافيًأ , وأن الحياة لا تستقيم دون حب, فبراثن أن تحب ستصبح دنياك جنة . يجب ان لا يظن هذا العالم أن الغياب حجة او عذرًا لنهاية العلاقة .