ميرامار
البعض يَضِيقون بالثورة، ولكنْ أيُّ نظام يُمكِن أن يحلَّ محلَّها؟ فكِّر قليلًا أو كثيرًا فلن تجده خارجًا عن واحد من اثنين، فإمَّا الشيوعية، وإمَّا الإخوان، فأيهما تُفضِّل على الثورة؟»
قال «نجيب محفوظ» عن «ميرامار» إنها تَعرض شرائحَ كثيرة في المجتمع المصري وترفضها جميعها. ففي الإسكندرية، المدينةِ البَحْرية المنفتحة، التي استوطنَتها الجالياتُ الأجنبية، وخاصةً اليونانيِّين، يقع بنسيون «ميرامار» الذي تمتلكه «ماريانا» — إحدى اليونانيات الباقيات في مصر بعد الثورة — والذي تدور فيه أحداث الرواية؛ حيث يجتمع فيه شخصيات من فئاتٍ عمرية واتجاهاتٍ فكرية مختلفة، مثل الإقطاعي والتقدُّمي والشيوعي والعبثي، مع «زهرة»؛ الفتاةِ الريفية المصرية البسيطة التي هربت من أهلها لكيلا تَتزوَّج من رجلٍ عجوز، فتلجأ إلى العمل في البنسيون، فيطمع فيها كلُّ شخصيات الرواية، وتقع فريسةً في أيديهم، ثم تتصاعد الأحداث حتى تصل إلى ذُروتها بوقوعِ جريمةِ قتل في البنسيون بسببها.
القاهرة الجديدة
.«وكان من عادة محجوب عبد الدائم أن يشترك في أحاديثِ صاحبَيه، لا عن إيمانٍ برأي؛ فلم يكُن له رأيٌ يؤمن به، ولكن حبًّا في الجدل والسخرية، ولكنه شعَر ذلك المساءَ — أكبر من ذي قبل — أنه من الشعب البائس الذي يَعْنيه علي، فأراد أن يُنفِّس عن صدره المحزون بالكلام، ولم يَكُن الشعب شيئًا يُهمُّه، ولكنه لم يستطع أن يَطرُق همومَه الخاصة إلا عن سبيله.»
«القاهرة الجديدة» هي بداية الرواية الواقعية في أدب «نجيب محفوظ» بعد ثُلاثيَّته التاريخية، وقد تَناوَل في هذه الرواية المجتمعَ المصري في فترة الثلاثينيات، وما شاع فيه وقتها من فسادٍ وتَسلُّطٍ وانتهازية ومحسوبية واتِّساعِ الهُوَّة بين الأثرياء وعامَّة الشعب. وقد جسَّد «محفوظ» ذلك من خلال الشخصيةِ الرئيسية في الرواية؛ «محجوب عبد الدائم»، الخارجِ من رَحِم الأزمة الاقتصادية التي يُعانيها أبناءُ المجتمع، والساخطِ على وضعه الاجتماعي، المُستعِدِّ لفِعل أي شيءٍ والقَبول بأي شيءٍ مُقابلَ الثراء والوصول إلى المناصب العُليا، حتى إنْ كلَّفه ذلك الزواجَ من عشيقة «الباشا». وفي مُقابِل «محجوب» هناك زميلَاه في الجامعة؛ «مأمون رضوان» المُنتمي للتيَّار الإسلامي، و«علي طه» صاحب الفكر الاشتراكي. وتأتي شخصيةُ «إحسان» حبيبة «علي طه» لتُجسِّد المُعاناة الكبرى لهذه الطبقة حين تُصبِح عشيقةَ «الباشا» وزوجةَ «محجوب عبد الدائم».
افراح القبة
«إني أُدمِن الحُلم كما يُدمِن أبي الأفيون. بالحُلم أُغيِّر كلَّ شيء وأخلقه، أَكنُس سوق الزلط وأرشه، أُجفِّف طفْحَ المجاري، أهدم البيوت القديمة وأُقيمُ مكانها عمارات شاهقة، أُهذِّب الشرطي، أسمو بسلوك الطلاب والمدرسين، أُوفِّر الطعام من الهواء، أَمحَق المخدِّرات والخمر.»
هل جرَّبتَ أن تقف على خشبة المسرح وتُمثِّل شخصيتَك بكل تَناقُضاتها وأخطائها؟ تدور أحداثُ هذه الرواية حول مجموعة من المُمثِّلين الذين يعملون في المسرح، ويُطلَب منهم تمثيلُ مسرحيةٍ أَعدَّها «عباس كرم يونس»؛ أحدُ الفاعلين الرئيسيِّين في الرواية، تتناول شخصياتهم الحقيقية كما يراها هو، فيُبرِز الجانبَ الآخَر للشخصية، فتبدأ هذه الشخصيات جميعها في تبريره، وإيجادِ الدوافع والأسباب وراء تَصرُّفاتهم. وتحمل هذه الشخصيات الكثيرَ من الدلالات التي حرص «نجيب محفوظ» عليها في هذا العمل، ولعلَّ أبرزَ هذه الشخصيات شخصيةُ «كرم يونس»؛ الأب الذي عاش طفولةً مُضطرِبة جعلتْه مُدمِنًا للأفيون، ناكرًا للمبادئ والمُقدَّسات، لا يؤمن إلا بالمادة؛ وشخصيةُ ابنه «عباس» الذي نشأ أيضًا في جوٍّ خالٍ من القِيَم والمبادئ، لكنه يَثُور على هذا الوضع ويَتمسَّك بالحُلم والقِيَم والفضيلة، فجاءت كتابتُه للمسرحية ثورةً كبرى.
قلب الليل
«وكان من عادة محجوب عبد الدائم أن يشترك في أحاديثِ صاحبَيه، لا عن إيمانٍ برأي؛ فلم يكُن له رأيٌ يؤمن به، ولكن حبًّا في الجدل والسخرية، ولكنه شعَر ذلك المساءَ — أكبر من ذي قبل — أنه من الشعب البائس الذي يَعْنيه علي، فأراد أن يُنفِّس عن صدره المحزون بالكلام، ولم يَكُن الشعب شيئًا يُهمُّه، ولكنه لم يستطع أن يَطرُق همومَه الخاصة إلا عن سبيله.»
«القاهرة الجديدة» هي بداية الرواية الواقعية في أدب «نجيب محفوظ» بعد ثُلاثيَّته التاريخية، وقد تَناوَل في هذه الرواية المجتمعَ المصري في فترة الثلاثينيات، وما شاع فيه وقتها من فسادٍ وتَسلُّطٍ وانتهازية ومحسوبية واتِّساعِ الهُوَّة بين الأثرياء وعامَّة الشعب. وقد جسَّد «محفوظ» ذلك من خلال الشخصيةِ الرئيسية في الرواية؛ «محجوب عبد الدائم»، الخارجِ من رَحِم الأزمة الاقتصادية التي يُعانيها أبناءُ المجتمع، والساخطِ على وضعه الاجتماعي، المُستعِدِّ لفِعل أي شيءٍ والقَبول بأي شيءٍ مُقابلَ الثراء والوصول إلى المناصب العُليا، حتى إنْ كلَّفه ذلك الزواجَ من عشيقة «الباشا». وفي مُقابِل «محجوب» هناك زميلَاه في الجامعة؛ «مأمون رضوان» المُنتمي للتيَّار الإسلامي، و«علي طه» صاحب الفكر الاشتراكي. وتأتي شخصيةُ «إحسان» حبيبة «علي طه» لتُجسِّد المُعاناة الكبرى لهذه الطبقة حين تُصبِح عشيقةَ «الباشا» وزوجةَ «محجوب عبد الدائم».
يوم قتل الزعيم
«عجيبٌ أن يخلد الحبُّ في ظلِّ الفساد المنتشِر. هذا الطِّوار المُتهرِّئ، هل تخلَّف عن غارة جوية؟ وأكوامُ القُمامة رابضةٌ بالأركان تحرس العُشاق. صباح الخير أيها المُكدَّسون في الباصات، وُجوهكم تُطلُّ من وراء الزجاج المشروخ مثل المساجين في يوم الزيارة. والجسر المُكتظ بالعابرين. السائرون على عجَل يلتهمون سندوتشات الفول بِنَهم وبلا تذوُّق.»
كثيرًا ما تَناوَل «نجيب محفوظ» تَبِعات الانفتاح الاقتصادي على المجتمع المصري في أعماله، ومنها الرواية التي بين أيدينا؛ إذ يَسرُد لنا ذلك من خلال أسرة «محتشمي زايد»؛ الرجل المُنتمي إلى جيل ثورة ١٩١٩م، والذي يقضي شيخوخته بمُفرَده في البيت بين الاستماعِ إلى القرآن والأغاني والأخبار، والشعورِ بالألم النابع من أعماقه على حال أُسرته، التي تَتكوَّن من ابنه «فواز» وزوجته «هناء»، اللذين يُنفِقان أعمارَهما بين العملِ الحكومي في الصباح، والعملِ في القطاع الخاص بعد الظهر، ليَتمكَّنا من مُواجَهة ضرورات الحياة وسُعار الغلاء؛ ومن ابنهما «علوان» الذي لا يكاد يرى أبوَيه، فلا يجد سوى جدِّه ليَأنَس كلٌّ منهما بالآخَر، وتربطه قصةُ حب بزميلته في العمل «رندة سليمان»، فيعيشان معاناةَ جيل السبعينيات الذي يَنتمِيان إليه؛ وتتفاقم هذه المعاناة حتى تدفع «علوان» إلى قتل مديره «أنور علَّام» في ٦ أكتوبر ١٩٨١م.
القرار الأخير
«دهَمَنا الانفتاحُ كالطوفان؛ أُناس طفَوا فوق سطح الماء الهادر، وآخَرون مضَوا يغطسون نحو القاع. بادئ الأمر فَرِحنا لانهزام الانغلاق. قلنا: ولَّت أيامُ الحصولِ على عُلبة ثِقاب بالطابور والبطاقة، وتسوُّلِ الأدوية من المُحسِنين. ولكن رويدًا رويدًا تَحرَّك القلق جارًّا وراءَه الخوف، وأخذَت تكاليف الحياة تَتجهَّم وتُكشِّر عن أنيابها.»
باقةٌ قصصية من أروع ما كتب «نجيب محفوظ» لقُرائه، جمَع فيها أعذبَ القصص التي يَفوح منها عِطر الطفولة والصِّبا، ويقف الحنين مُنتشيًا فيها؛ فنراه في قصة «المهد» يُقدِّم لنا لوحةً بديعة تنبض بالحياة، رسَم فيها التفاصيل البسيطة والعميقة التي تمنح الأشياءَ روحًا تعيش بداخلنا ونظل أسرى لذِكراها مهما تَقدَّم الزمن. وتأتي قصة «دخان الظلام» لتُقدِّم رؤيةً محفوظية عن الحياة والفوضى التي على مَشارفها، لكنه يحمل لنا في النهاية صباحًا جديدًا وشمسًا مُشرِقة. أما قصة «ذوو الدخل المحدود» فتكاد تكون من أعظم ما كُتب في الأدب عن التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية للانفتاح الاقتصادي في السبعينيات. وفي «الحزن له أجنحة» يُذكِّرنا بأن حب الحياة ينتصر في النهاية، وأن الحزن مهما طغى وتكاثر، فله أجنحةٌ سيطير بها يومًا ما، وتبقى الطمأنينة تَسكُن القلوب.
الكرنك
«وحدَّثني عن مصرع حلمي حمادة، فقال: إنه مات في حجرة التحقيق، كانت به عصبيةٌ وجُرأة، استفزَّتْهم إجاباتُه، تلقَّى صفعاتٍ فهاج غضبُه، وحاوَل أن يردَّ الاعتداءَ بمثلِه؛ فانهال عليه حارسٌ باللكمات حتى أُغمِي عليه، ثم تبيَّن أنه فارَق الحياة.»
جاءت رواية «الكرنك» لتَكشفَ اللِّثام عمَّا جرى في سجون الحِقبة الناصريَّة، وبالأخص في فترة الستينيات، من انتهاكِ آدميةِ الإنسان وتعذيبه. واستطاع «نجيب محفوظ» ببراعته الفائقة أن يُصوِّر ذلك من خلال مجموعة من الشباب الجامعي المُؤمِن بالثورة وبدورها الإيجابي، يجتمعون بصفةٍ دائمةٍ داخل مقهى «الكرنك» بوسط البلد، وقد حمل اسمُ المقهى دلالاتٍ رمزيةً عن حضارة «مصر»، كما صرَّح «نجيب محفوظ» أن المقهى المقصود هو مقهى «ريش» بميدان «طلعت حرب» الذي كان قِبْلة المُثقَّفين آنذاك. وجاءت الرواية في أربعةِ فصولٍ، كلُّ فصلٍ منها يحمل اسمَ شخصيةٍ أساسية من شخصياتها، وهم: «قرنفلة» الراقصة المعتزلة وصاحبة المقهى، و«إسماعيل الشيخ» الشاب الجامعي الذي يَتعرَّض للاعتقال، و«زينب دياب» التي تَتعرَّض للاغتصاب داخل المُعتقَل على يد رجال الأمن، و«خالد صفوان» رجلُ الأمن الذي يَرمُز إلى فساد النظام.