بشارات نبوية
ان ربي لطيف
الجانب الثقافي في الاسلام
اسرار مصر الخفية
كان السيد صمويل مارينوس زويمر Samuel Marinus Zwemer، سكرتير حركة المتطوعين في أمريكا، الذي عَمِلَ مُبشِّرًّا في شبه الجزيرة العربية، وله أعمال غزيرة مشحونة بادعاءات شعواء وعدم الإنصاف حول الإسلام، ورغم ذلك إلا أن أعماله حَظِيَتْ بقبول واستحسان كَبِيرَين من جانب المقيمين في الغرب. أما من جانب القرَّاء فإنهم قد يكونون مولعين بالقراءة والمعرفة بسبب التدهور والجهل المُظلم المحيط بهم من كل جانب، وهم بذلك يعتقدون أنهم يساهمون في محو جهلهم أو التقليل منه.
الحب تحت المطر
«لم يبقَ في الحجرة إلا إبراهيم، بمجلسه فوق الكنبة بين سنية خطيبته، وعليات شقيقته. ارتدى جلبابًا فضفاضًا، برز من طوقه رأسه الحليق ووجهه النحيل الشاحب، والنظارة السوداء التي أخفت عينَيه. ذاك أول يوم رجع فيه إلى بيته، حيث تلقَّى سيلًا من كلمات العزاء والتشجيع، ثم أُخليت الحجرة إلا من ثلاثتهم.»
تسرد هذه الرواية حالة اليأس والضياع التي أصابت المجتمع عقب هزيمة يونيو ١٩٦٧م، وانهيار القِيَم وغياب الحقيقة، من خلال شخصياتٍ عديدة من أوساطٍ متباينة، لكن تجمع بينهم شبكة من العلاقات، وتبدأ كل شخصية تسلك طريقًا مختلفًا، لكنهم يلتقون في النهاية؛ فنجد شخصية «مرزوق» الذي تقوده الظروف إلى مهنة التمثيل ليقوم بدور جنديٍّ محارب على الجبهة، ويقع في حب «فتنة» إحدى نجمات التمثيل؛ فيتخلى عن حبه ﻟ «عليات» ويتزوج من «فتنة». و«منى» الفتاة الحرة التي تُصدَم في عالم التمثيل الذي كانت تنبهر به. أما «إبراهيم» الجندي الحقيقي الذي يقف على الجبهة فيُصاب في عينَيه ويفقد بصره، في رمزيةٍ للشعب المصري الذي عجز عن الرؤية الواضحة والصحيحة لكل ما جرى في ذلك الوقت. لكن حالة التخبُّط تنتهي بسطوع شمس انتصار أكتوبر، وعودة مرزوق ﻟ «عليات».
دنيا الله
«الإنسان يعيش على الأوهام ويسعد بها»
نجيب محفوظ توقف عن كتابة القصص القصيرة لفترة تجاوزت العشرين عامًا، ليعود بمجموعة قصصية بالغة الجمال.
إنها “دنيا الله” المجموعة التي تقرؤها الآن.
و”دنيا الله” مجموعة قصصية تتكون من 14 قصة قصيرة صدرت طبعتها الأولى عام 1963، وهي واحدة من أمتع مجموعات نجيب محفوظ القصصية، بسردها بالغ الجمال عن حياة الناس والمفعم باللمحات الإنسانية الرائعة؛ حيث سيرة الحياة والموت؛ وحيث ستبحث خلالها عن “زعبلاوى” في كل مكان، فكلنا نفعل.
«لم تُخلق دور العبادة للمهاترات السياسية وتأييد الطغاة»
المرايا
«بِتُّ أعتقد أن الناس أوغادٌ لا أخلاقَ لهم، وأنه من الخير لهم أن يَعترفوا بذلك، وأن يُقيموا حياتَهم المشتركة على دِعامةٍ من ذلك الاعتراف، وعلى ذلك تصبح المشكلة الأخلاقية الجديدة هي: كيف نَكفل الصالحَ العام والسعادةَ البشرية في مجتمع من الأوغاد؟»
ترى عيونُ «نجيب محفوظ» النافذةُ إلى الأعماق كلَّ الشخصيات التي مرت بحياته، سواء مرت مرورًا عابرًا، أو كان لها وجودٌ أساسي فيها، وحاضرٌ دائمًا. كتب عنها كما رأتها عيونُه من الداخل ومن الخارج، فأتى وصفُه دقيقًا كأنه يرسم الملامحَ بريشةِ فنانٍ إحدى عينَيه على الشكل العام، والأخرى على التفاصيل الدقيقة التي تحتاج إلى عيونٍ ذكية تلتقطها، فكانت الرواية مرآةً تَكشف كلَّ هذه الشخصيات التي لا تنتمي إلى عالَم «نجيب محفوظ» فقط، بل هي أيضًا النماذجُ التي يَتشكَّل منها المجتمع؛ ومن ثَم فمن الطبيعي أن تجد فيها الخيِّر والشرير، الرحيم والقاسي، الجَسُور والجبان، كما أرَّخ من خلالها للفترة الممتدة من ثورة ١٩١٩م إلى ما بعد النكسة بثلاثة أعوام، فقدَّم الشخصيات في صورة بورتريهات محفوظية مرسومة بلغته الأنيقة التي تجعلك تَهيم في عالَمه إلى حدِّ الثُّمالة.
الشحاذ
.«والكراهية نبتَت في مُستنقَعٍ آسِن مُكتظٍّ بالحِكَم التقليدية والتدبير المنزلي، ولا عزاءَ فيما بلغناه من ثراء ونجاح؛ فالعَفَن قد دفَن كلَّ شيء. وحُبست الروح في برطمانٍ قَذِر، كأنها جنينٌ مُجهَض، واختنق القلب بالبلادة والرواسب الدَّسِمة، وذبلت أزهارُ الحياة فجفَّت وتهاوت على الأرض، ثم انتهت إلى مُستقَرها الأخير في مُستودَعات الزُّبالة.»
في رحلةٍ من الشك إلى اليقين، يبحث «نجيب محفوظ» عن سر الكون وقيمة الحياة، فيبحث عن الله والإحساس بوجوده من خلال شخصية «عُمر» الذي يبلغ الخامسة والأربعين من عمره، لكنه يشعر أن جسده أصبح خاملًا وشاعرًا بالاغتراب والانفصال عن العالَم. يرغب «عُمر» في التماس الإله داخلَه، مُحاوِلًا فَهم طبيعة الوجود والعالَم الميتافيزيقي، فيحاول أن يفهم الحياةَ من خلال لغة الجسد، فيجعل من جسد المرأة سرًّا للوجود، لكنه يظل تائهًا ويستمر في المعاناة، فيلجأ إلى التصوُّف علَّه يجد فيه الاطمئنانَ والسكينة والنشوة، لكنه يعجز عن الإحساس بالنشوة المرجوَّة، ويُقرِّر أخيرًا الحياةَ في الخلاء بعيدًا عن البشَر، ويدخل في حالةٍ روحية منفردة يناجي فيها الإله، يرجوه بالإنعام عليه بسرِّ الوجود وقيمة الحياة، والإحساس به، والوصول إلى اليقين.
حكاية بلا بداية و لا نهاية
.«صدِّقيني لقد اختلَّ ميزانُ كل شيء، خرجَت النجومُ عن أفلاكها، والكلماتُ عن منطقها، وتَمخَّضت قِباب الأضرحة عن أوثان! .. كنتُ مستندًا إلى عراقةِ أصلٍ وامتيازِ بيتٍ وكرامةِ أُسرة، أين كل أولئك؟ أين؟ .. مع الزمن سيرى الناس فيَّ رجلًا غارقًا في الخطايا مُلوَّثًا ضائعًا، شيَّد من أموالهم بفساد ذِمته بناءً ضخمًا.»
تجلى إبداعُ «نجيب محفوظ» القصصي في هذه المجموعة القصصية النفيسة التي جمع فيها خمسَ قصصٍ قصيرة اشتركت جميعُها في الفكرة، والنظرة للحياة، فلا تعرف متى بدأت الحكاية، ولا تمنحك نهايةً بل استمرارية للحياة لا تنقطع؛ ففي قصة «حكاية بلا بداية ولا نهاية» يتحدث «محفوظ» عن استمرارِ الصراع بين السلطةِ الدينية مُمثَّلةً في الطريقة الأكرمية ورئيسها «محمود الأكرم»، وثورةِ العلم عليها مُمثَّلةً في «علي عويس». وفي قصة «حارة العشَّاق» يتَّخِذ من علاقة «عبد الله» بزوجته «هنية» التي تمرُّ بعِدة عواصف — فقد ظلت حياتهم مُستقرَّة وفي سعادةٍ غامرة لمدةِ خمسِ سنوات حتى تَسلَّل الشك إلى هذه العلاقة، وأفسَد كلَّ شيء فيها — رمزًا لمرحلة الشك عند الإنسان في إيمانه، ومُحاوَلات الرجوع إليه. وغير ذلك من القصص الرمزية والفلسفية التي تُؤكِّد على استمرارية الحياة.
عصر الحب
«إذَن فلْتَكُن البداية وستُّ عين في الخمسين ووحيدُها عزت في السادسة، وهي امرأةٌ مرموقةٌ ذات شأن ينمو ويَتضخَّم مع الزمن كمدينةٍ صاعدة، تَملِك جميع العمارات الكبيرة في الحارة؛ فهي ثريَّةٌ واسعةُ الثراء … يقولون إنها حافظت على رونق الشباب وهي في الخمسين من عمرها؛ لم يَبهَت سوادُ شعرةٍ من شعرها، ولا اشتكى لها عضو، متينة البناء متوسطة القامة، لا بَدانة تُثقِلها ولا نحافة تَعِيبها.»
هل هو عصر الحب حقًّا، أم هي سُخرية «نجيب محفوظ» المُعتادة من الكراهية التي أصبح عليها الناس، وتجسَّدَت في الرواية؟ هل «محفوظ» كان يقصد من العنوان حب الست «عين» لِابنها، وحب «بدرية» و«حمدون»، وحب «سيدة» ﻟ «عزت»، وحب «حمدون» للمَسرح؛ أم كان يَسخَر من الكراهية التي دفعت «عزت» إلى أن يَحِيك مُؤامَرة لصديقه «حمدون» ليُدخِله السجن لسنواتٍ طويلة؟ روايةٌ إنسانيةٌ تراجيدية يَسرُدها «نجيب محفوظ» بكثير من الحب والحزن، لا تخلو من الحِكَم المحفوظيَّة التي تُقال على ألسنةِ شُخوصها، وتَمنَحك عالَمًا تندمج فيه وتَتأثَّر به إلى حد الانفعال في أحداثه، وكأنَّك جزء منه تَتبنَّى موقفًا وتَدِين آخَر، مأسورًا بشخصية الست «عين»، وتظلُّ هكذا حتى ترى مَشهد النهاية الذي جاء لوحةً إنسانيةً فريدة لا يُبدِعها سوى العبقري الفذ «نجيب محفوظ».